فصل: (الفصل) الأول: فيما يقر عليه الكافر من الأنكحة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الباب الثاني: في المولى عليه:

ولا يولى النكاح إلا على ناقص بصغر، أو جنون، أو سفه، أو رق، أو أنوثة، وقد سبق حكم الأنوثة والصغر.
أما المجنون الكبير، فللأب التزويج منه عند ظهور الحاجة. وأما المجنونة فيزوجها عند الحاجة صغيرة كانت أو كبيرة، بكراً كانت أو ثيباً.
وأما السفيه فيجبره الأب على النكاح، وإن كره، بما سمى من الصداق في ماله وذمته، ولا رد له إن بلغ الرشد. وكذلك وصي أبيه، والسلطان وخليفته، وليس له أن يتولى النكاح بنفسه بوجه، وقال عبد الملك: لا يزوجه من يلي عليه إلا برضاه.
فرع:
إذا تزوج السفيه بغير إذن وليه، فروى أشهب أن الولي إن أجازه مضى وإلا فسخ، وكانت طلقة.
قال ابن القاسم، وهو في كتاب ابن حبيب: فإن لم يعلم وليه حتى مات أحدهما، فإن كان هو، فلا ميراث لها منه. قال ابن حبيب: ولا صداق، فإن ماتت هي، فالنظر لوليه قائم، إما أن يجيزه فيأخذ الميراث ويؤدي الصداق، أو يرد النكاح ويدع الميراث.
وقاله مطرف وابن الماجشون.
وذكر أصبغ عن ابن القاسم: أنهما يتوارثان ويمضي الصداق، لأن النظر قد فات فيه بالميراث.
وذكر ابن المواز عنه خلاف هذا، قال ابن المواز: قال أصبغ: إن مات هو لم ترثه، وردت كل ما أعطاها، إلا ربع دينار إن أصابها، وكذلك في حياته إن فسخه.
قال أصبغ: هذا في الدنية.
وقال ابن القاسم: ويجتهد في الزيادة لذات القدر. قال أصبغ: لما يرى مما لا يبلغه صداق مثلها.
قال ابن المواز: وروى ابن وهب في السفيه: لا يترك لها شيء، لا ربع دينار ولا غيره، وإن كان لها قدر. قال ابن حبيب: وهذا القياس.
وأما الرقيق، فللسيد إجبار الأمة والعبد، ولا يجبر هو لهما، فلو طلبا النكاح لم تجب الإجابة.
وسبب هذا التصرف الملك، حتى يزوج المسلم أمته الكافرة، والولي يزوج رقيق الطفل بالمصلحة، وأمة المرأة يزوجها وكيلها كما تقدم.
ومن بعضه رقيق لا يجبر، ولا يستبد، من ذكر أو أنثى، ولا يجبر مالك بعضه على تزويجه إذا طلبه، ولا يقضي عليه به، ولو كان منعه ضراراً كالعبد والمكاتب.
وأما من فيه عقد من عقود الحرية، فحكى الشيخ أبو الطاهر عن المذهب في إجباره أربعة أقوال:
الإجبار، ونفيه، والتفرقة بين الذكور والإناث، فيجبر الذكور لقدرتهم على الحل عن أنفسهم. ولا تجبر الإناث لعدم قدرتهن على ذلك. والرابع: التفرقة بين من يقدر على انتزاع ماله، فيصح إجباره، وبين من لا يقدر على انتزاع ماله، فلا يصح إجباره.
ثم حكى عن بعض أشياخه أنه أنكر هذه التفرقة، وقال: إنما رأى أبو الحسن اللخمي التعليل في منع إجبار المكاتبة بذلك، فأخذ منه إطلاقاً كلياً بين من ينتزع ماله، وبين من لا ينتزع ماله، وهو غير صحيح؛ إذ قد يعلل في مسألة بعلة، ويعلل في أخرى بغيرها.

.القسم الثالث من الكتاب: في الموانع:

وهي أربعة أجناس:

.الجنس الأول: ما يقتضي تأبيد التحريم:

ويشتمل على ثلاثة أنواع:

.النوع الأول: المحرمية:

أسبابها ثلاثة: قرابة، ورضاع، وصهر.
السبب الأول: القرابة ويحرم منها سبع: الأمهات، والبنات والأخوات، وبنات الإخوة والأخوات، والعمات، والخالات، ولا تحرم بنات الأعمام والأخوال.
والأم عبارة عن كل امرأة ينتهي إليها النسب بالولادة ولو بوسائط، على أي العمودين كانت. وبنت الرجل عبارة عن كل امرأة ينتهي إليه نسبها، ولو بوسائط.
والضابط أنه يحرم على الرجل أصوله وفصوله، وفصول أول أصوله، وأول فصل من كل أصل وإن علا.
فرع:
إذا ولدت من الزنى لم يحل لها نكاح ولدها، وأما نكاح الزاني للمخلوفة من مائة، فحكى القاضي أبو الحسن جوازه. قال القاضي أبو الوليد: وهو قول عبد الملك بن الماجشون، قال: والمشهور من المذهب أن ذلك غير جائز.
قال سحنون: في قول ابن الماجشون هذا خطأ صراح، وما علمت من قاله من أصحابنا معه.
وقال ابن المواز: لا يتزوجها، وأباه أصبغ، وابن عبد الحكم في ظني، ومكروهه بين اعتباراً بتحريم الأم من الزنى.
ولا تحل المنفية باللعان.
السبب الثاني: الرضاع، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وكل امرأة أرضعت شخصاً، أو أرضعت من أرضعته، أو أرضعت من يرجع نسبه إليه فهي أمه. وكذلك كل امرأة يرجع نسب المرضعة إليها، إذ أخت المرضعة خالة الرضيع، وأخوها خاله، وكذا في سائر أحكام النسب.
السبب الثالث: المصاهرة، ويحرم منها بمجرد عقد النكاح الصحيح المباح أمهات الزوجة من النسب والرضاع، وزوجة الابن، والحفدة، وزوجة الأب والجد من جهتي النسب والرضاع.
فأما العقد المكروه، وهو المختلف في جوازه، فقد قال ابن القاسم في الكتاب: كل نكاح لم يكن حراماً في كتاب الله، ولا حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اختلف الناس فيه، فهو عندي يحرم كما يحرم النكاح الصحيح الذي لا اختلاف فيه، وهذا الذي سمعت عمن أرضى.
وقال فيه أيضاً: إذا تزوج امرأة في عدتها، ففرق بينهما قبل البناء جاز لابنه أن يتزوجها.
وقال ابن حبيب عن ابن الماجشون عن مالك: إن النكاح الفاسد على وجهين:
أحدهما: ما يفسخ قبل البناء، ويثبت بعده، كنكاح الشغار الذي سمي مهره، والنكاح بالصداق المجهول أو إلى أجل غير مسمى، أو إلى موت أو فراق، أو النكاح بالخمر والخنزير، فإن هذا كله إذا انعقد به حرمت الزوجة على أبي الزوج وابنه.
وإن كان النكاح محرماً في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كنكاح الخامسة، والنكاح في العدة ونكاح الأخت على الأخت، ونكاح المرأة على عمتها بنسب أو رضاع، ونكاح التحليل، ونكاح السر، فإن المرأة بذلك لا تحرم على أبي الزوج، ولا على ابنه.
وأما بنات الزوجة، فلا يحرمن بمجرد العقد، بل الوطء فيه، وفي معنى الوطء مقدماته من القبلة والمباشرة إذا كان ذلك للذة، وكذلك النظر إلى باطن الجسد بشهوة على المشهور، وقيل: لا تنتشر الحرمة بذلك.
ولا يشترط في تحريم بنات الزوجة كونهن في حجره، ثم لا يعتبر حل الوطء بعد تقدم العقد الصحيح أو شبهته.
فإن انفرد الوطء عن العقد، فإن كان حلالاً كالوطء بملك اليمين فحكمه حكم الوطء في عقد النكاح. وإن كان حراماً محضاً، ففي الكتاب فيمن زنى بأم امرأته، قال ابن القاسم: قال لنا مالك: يفارقها ولا يقيم عليها، وهذا خلاف ما مال قنا مالك في موطئه.
قال سحنون: وأصحابه على ما قال في الموطأ، ليس بينهم فيه اختلاف، وهو الأمر عندهم.
التفريع: إن قلنا بمذهب الموطأ، فوجود هذا الوطء كعدمه، وإن بنينا على مذهب الكتاب، فقد اختلف الأصحاب في مقتضى الأمر بالفراق فيه، هل هو على الوجوب أو على الندب؟ على قولين.
فإن كان الوطء بالاشتباه مع عدم عقد النكاح وملك اليمين وشبهتهما. فقد قال الشيخ أبو عمران: لا نعلم خلافاً بين أصحابنا في وطء الشبهة أنه يحرم، إلا ما روي عن سحنون أنه قال فيمن مد يده إلى زوجته في الليل فوقعت على ابنته منها فوطئها غلطاً: إن ذلك لا يحرم عليه زوجته.
وإذا فرعنا على قول الأصحاب، فقد خرج عليه المتأخرون فرعاً اختلفوا في حكمه وكثر اختلافهم فيه حتى ألف بعضهم على بعض، وهو إذا حاول الرجل وطء زوجته أو التلذذ بها، فوقعت يده على ابنته منها، فالتذ بذلك، فمنهم من لم ير ذلك على الزوج.
وعلى القول الأول الأكثر منهم كالشيخ أبي الحسن والشيخ أبي عمران، وأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي إسحاق التونسي وأبي حفص القطان، وأبي القاسم السيوري، وأبي محمد عبد الحميد، وبذلك أخذ الفقيه أبو بكر بن التبان ففارق زوجته حين نزلت به، ونص عليه الشيخ أبو إسحاق في كتابه الزاهي.
وعلى القول الثاني أبو القاسم الطابثي وأبو سعيد بن أخي هشام، وأبو القاسم بن شبلون، وهو مقتضى ما روي عن سحنون، وروي نحوه عن الليث بن سعد، وهو إحدى الروايتين عن الشيخ أبي محمد، وروي عنه مثل قول الأولين أيضاً.
وهذا القول الثاني هو الذي اختاره الإمام أبو عبد الله في تأليفه الذي ألفه في هذه المسألة، وسماه بكشف الغطاء عن لمس الخطأ، واحتج له بأنه لا رافع للحل المستصحب في الزوجة إلا آية تحريم المصاهرة، وهي لا تتناول البنت إذ ليست من نسائه في الحال، كالزوجة، ولا تصلح أن تكون من نسائه في المآل كالأجنبية.
فروع: الأول: في بيان مقتضى المذهب فيما ذكر القائلون بالقول الأول. قال الإمام أبو عبد الله: وجمهورهم على أن المذهب فيه على قول واحد لا يختلف، بخلاف ما وقع من ذلك عن قصد وعمد، قال: وقال ضعفاؤهم: بل يتخرج على الروايتين في انتشار الحرمة بالزنى، وحكى عن شيخه أبي محمد عبد الحميد أنه كان يرى أنه وهم فاسد ممن حكي عنه.
الفرع الثاني:
في بيان مرادهم باجتناب الزوجة، والظاهر من إطلاقهم الأمر باجتنابها تحريمها، ووجوب فراقها والإجبار عليها وهو مذهب جمهورهم.
ونقل عن الشيخ أبي الحسن والشيخ أبي عمران أنهما إنما كانا يريان الاجتناب والمفارقة على وجه الاستحباب والاحتياط لا على وجه الإيجاب والإجبار، وهو مذهب أبي الطيب عبد المنعم، فإنه أمر بالفراق وتوقف في الإجبار.
الفرع الثالث:
فيمن وطئ امرأة مكرهاً، هل تنتشر الحرمة بوطئه ذلك أم لا؟ قال الإمام أبو عبد الله: حكم هذه المسألة يتخرج على الخلاف في وطء المكره هل يعد زنى، فيحد فيه، أو يعذر بالإكراه فيسقط عنه الحد؟ قال: فإن قلنا بالأول، كانت المسألة على الروايتين في انتشار الحرمة بوطء الزنى، وإن قلنا بأنه يعذر ويسقط الحد عنه، جرى مجرى الوطء على وجه الغلط، وقد تقدم الكلام عليه.
ويتم المقصود من بيان تحريم المصاهرة بذكر فروع متتالية في الجمع بين الأم وابنتها بعقد نكاح أو بملك يمين.
أما عقد النكاح فإن عقد عليهما عقداً واحداً، فهو فاسد. ثم إن دخل بهما جميعاً حرمتا عليه على التأبيد. وكذلك الحكم في وطئه لهما جميعاً حيثما وقع بعقد نكاح، أو بملك يمين، أو بشبهة أحدهما، وقد تقدم حكم الحرام المحض.
وإن لم يدخل بهما، ولا بواحدة منهما، فلا تحرم البنت عليه بلا خلاف.
وأما الأم، ففي الكتاب قولان: مذهب مالك وابن القاسم أنها لا تحرم. ومذهب الغير تحريمها. وإذا دخل بالبنت حرمت الأم، ولم يحرم عليه تجديد عقد على البنت. وإن دخل بالأم حرمت البنت. وفي تحريم الأم القولان المتقدمان.
وإن عقد عليهما عقدين مفترقين، فإن بدأ بعقد الأم ولم يدخل بواحدة منهما حلت له البنت نكاح ثان، وفي تحريم الأم على التأبيد القولان.
فإن دخل بالبنت خاصة، فسخ نكاحها وكان له أن يبتدئ العقد عليها، وحرمت الأم عليه.
وإن دخل بالأم خاصة حرمت عليه على قول الغير، ولم تحرم على قول مالك وابن القاسم. أما البنت فتحرم عليه بالإجماع.
وإن كان العقد أولاً على البنت، فإن لم يدخل بواحدة منهما أصلاً، لم تحرم البنت وحرمت الأم. وكذلك إن دخل بالبنت خاصة، فإن دخل بالأم حرمتا عليه جميعاًَ.
وأما ملك اليمين، فلا يمتنع عليه جمعهما فيه للخدمة، أو إحداهما للخدمة والأخرى للوطء. ثم أيتهما وطئ حرمت عليه الأخرى على التأبيد.
وإن جمع بينهما بالنكاح في إحداهما، والملك في أخرى، فإن وطئهما أو وطئ إحداهما، فالحكم كما تقدم في المملوكتين. وإن لم يطأ واحدة منهما فالمملوكة محرمة للجمع خاصة ما لم يدخل بالزوجة أو تكن الصغرى فيتأبد التحريم.

.النوع الثاني: اللعان.

فإذا لاعن الزوج زوجته، ووقعت الفرقة بينهما، حرمت عليه على التأبيد، ولا تحل له أبداً، ولو أكذب نفسه.

.النوع الثالث: الوطء في العدة.

وقد رأيت الاقتصار فيه على فصل ذكره أبو القاسم بن محرز،ونصه: كل امرأة معتدة من نكاح أو شبهة نكاح، فنكحت في عدتها تلك ووطئت، فإنها نحرم على واطئها، ولا تحل له أبداً، ولا أعلم في هذا اختلافاً بين أصحاب مالك.
وإن كانت مستبرأة من زنى أو اغتصاب، فنكحت في ذلك الاستبراء، ووطئت فيه، فاختلف في ذلك، فقال مالك ومطرف: سبيله سبيل من تزوج في العدة. وذهب ابن الماجشون إلى أنها لا تحرم بالوطء في هذا الاستبراء.
وإن كانت مستبرأة من وطء ملك في بيع أو هبة، فوطئت في ذلك الاستبراء بملك، فإن واطئها لا يكون حكمه حكم الوطء في العدة، وهذا مما لا يختلف فيه إن شاء الله.
وإن وطئت في هذا الاستبراء بنكاح، فاختلف فيها، فقيل: تحرم عليه، وقيل: لا تحرم عليه.
وإن عتقت جارية، وكان سيدها يطؤها، فتزوجت في استبرائها ذلك ووطئها زوجها، فإنها لا تحرم بذلك عليه عند ابن القاسم وأشهب جميعاً. وليست عندهما كأم الولد في الكراهة، وإن كانت في استبرائها قد أفضت إلى حرية، لما كان الوطء في ملك محض.
وسبيل الوطء بشبهة نكاح في جميع الأوجه التي ذكرنا سبيل من وطئ في نكاح صحيح، وسبيل من وطئ بشبهة ملك سبيل من وطئ في ملك صحيح.
فأما من وطئت بغير شبهة في عدة أو استبراء على وجه الزنى أو الاغتصاب، فإنه لا حرمة لذلك الوطء، فلا تقع به حرمة عليه ولا عليها.
والأصل في هذا التحريم ما ثبت من قضاء عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بذلك وقيامه به في الناس.
قال القاضي أبو محمد: وقد روي مثل ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا مخالف لهما مع شهرة ذلك وانتشاره.
والقياس على قاتل موروثه بعلة الاستعجال، وعلى الملاعن بعلة إدخال الشبهة في النسب.

.الجنس الثاني: ما يتعلق بتعدد عددي لا تتأبد به الحرمة:

ويشتمل أيضاً على ثلاثة أنواع:

.النوع الأول: الجمع.

فيحرم الجمع بين الأختين قراءناً. وألحقت السنة بهما الجمع بين سائر المحارم، فقال صلى الله عليه وسلم: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها».
والضابط: أن كل امرأتين بينهما من القرابة أو الرضاع ما يمنع تناكحهما لو قدرت إحداهما ذكراً، فلا يجوز الجمع بينهما في العقد، ولا في الحل.
واحترزنا بذكر القرابة أو الرضاع عن الجمع بين المرأة وأم زوجها أو ابنته، فإن جمع في العقد بطل النكاحان وفسخا أبداً، وإن جمع بينهما في الحل ثبت نكاح الأولى، وثبت نكاح الثانية قبل الدخول وبعده إذا قامت على ذلك بينة، فإن لم تقم هنالك بينة قبل قول الرجل في ذلك، رواه محمد عن أشهب. قال محمد: وهذا أصوب، إلا أن تخالفه التي يترك، فإنه يحلف لأنه مدع لسقوط المهر أو فساده، فيكون فسخه حينئذ بطلاق.
وفي معنى النكاح ملك اليمين، حتى لو اشترى أمة ووطئها حرمت عليه أختها وخالتها وعمتها، فإن ملك واحدة منهن، فما لم يحرم الموطوءة على نفسه ببيع أو عتق أو كتابة أو تزويج أو نحو ذلك، لا يحل له وطء من استجد ملكها، ولا تقوم العوارض المحرمة كالحيض والعدة بالشبهة والردة والإحرام مقام البيع وما ذكر معه.
ولا يقوم مقامه أيضاً تحريم من وطئ بيمين يحدثها أو بظهارها أن لا يطأها أو بغير ذلك.
قال ابن أبي سلمة: ولا بهبتها لمن يعتصرها منه، ولا لمن إذا شاء أخذها منه بثمن أو بغير ثمن بغير امتناع منه، ولا ببيع مفسوخ.
وقيل: ولا ببيع صحيح دلس فيه بعيب، ولا ببيع فيه استبراء، ولا على العهدة أو الخيار حتى ينقضي ذلك كله. قال محمد: يريد عهدة الثلاث.
فرع:
لو ملك عصمة إحداهما، ووطئ الأخرى بملك اليمين، فإن كان عقد النكاح هو السابق، فقد روى محمد عن ابن القاسم أنه يوقف عن الزوجة حتى يحرم فرج أمته عليه، ولا يفسد ذلك النكاح.
وقال أشهب: بل يطأ الزوجة، لأن فرج أمته عليه حرام منذ عقد على أختها عقد النكاح.
وإن كان الوطء هو المقدم، ثم تزوج قبل أن يحرم الأمة، فقال محمد: اختلف فيها أصحاب مالك، فقال عبد الله بن عبد الحكم وأشهب: نكاحه جائز، وله أن يطأ امرأته، ولا يحدث تحريماً لجاريته لأن نكاح أختها قد حرمها عليه.
وقال ابن القاسم: لا يجوز أن يعقد النكاح حتى يحرم الأمة على نفسه، فإن فعل وقف بعد النكاح لا يقرب واحدة منهما حتى يحرم على نفسه أيتهما شاء.
وقال عبد الملك: يفسخ النكاح، ولا يقر على حال.

.النوع الثاني: الزيادة على أربع نسوة:

فيمتنع على الحر الزيادة على الأربع، وكذلك العبد.
وروى ابن وهب: أن الثالثة في حق العبد كالخامسة في حق الحر، فلا يزيد العبد على اثنتين. وتحل الخامسة بطلاق بائن لإحدى الأربع دون الرجعي. ولو نكح خمساً في عقد، فالعقد باطل فيهن.
فأما لو جمع بين أربع يصح جمعهن في الحل، وسمي لكل واحدة صداقاً، فمذهب الكتاب المنع.
وقال ابن دينار وأصبغ بالجواز.
التفريع: إذا قلنا بمذهب الكتاب، فوقع العقد، فللمتأخرين قولان:
أحدهما: الرجوع إلى صداق المثل.
والآخر: أنه يفض المسمى، ولهم القولان أيضاً في فسخه قبل الدخول.
وسبب الخلاف في الموضعين مراعاة الخلاف، فمن راعاه صحح ورفض المسمى، ومن لم يراعه فسخ قبل البناء، ورد بعده إلى صداق المثل.
وإن فرغنا على قول ابن دينار وأصبغ، فقد قال أصبغ: يعطي لكل واحدة منهن صداق مثلها. قال أبو القاسم بن محرز: يعني من تلك التسمية، قال: وحكاه عن ابن دينار.
فرع:
قال الشيخ أبو عمران: من ادعى نكاح رابعة، ولا بينة له، منع من نكاح خامسة لها حتى يطلقها. يريد: أو يطلق غيرها.

.النوع الثالث: استيفاء عدد الطلاق:

وهو ثلاث للحر، واثنتان للعبد، فمن استوفاه منهما لم تحل له الزوجة حتى يطأها زوج غيره وطئاً مباحاً في نكاح صحيح لازم.
وقال ابن الماجشون: يحصل الإحلال بالوطء في الحيض والإحرام والصيام إذا صح العقد، ولا تحل الذمية بنكاح الذمي لفساده على المشهور. وقيل: تحل، بناء على صحة أنكحتهم في الشاذ.
ولا يكفي نكاح الشبهة، ولا نكاح الدلسة، وهو نكاح المحل. قال مالك في المختصر: ومن نكح امرأة ليحلها لزوجها، فلا يحل ذلك ولا يقر على ذلك النكاح حتى يستقبل نكاحاً جديداً، ولها مهرها إذا أصابها، ولا ترجع إلى زوجها الأول إلا بنكاح رغبة غير دلسة يصيبها فيه. فنص رضي الله عنه على أن نكاح المحل لا يحل ولا يحل. وأن نكاح الدلسة لا يجوز ولا يفيد، فلا ينتفع بلطائف الحيل في تحصيل الإحلال عنده، بل لا يقع حلالاً ولا يفيد إحلالاً. وذلك مقتضى الحديث الصحيح، وهو ما خرجه أبو عيسى الترمذي وصححه عن عبد الله بن مسعود، قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحل والمحلل له.
وخرج أبو الحسن الدارقطني عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بالتيس المستعار، قالوا: بلى، قال: هو المحل، ثم قال: لعن الله المحل والمحلل له».
ثم المعتبر في التحليل نية المحل دون نية المرأة والمطلق، فنية المحل للإحلال تنزل منزلة اشتراطه في العقد، فيفسد ولا يحل.
ولو نكح بشرط الطلاق فسد العقد ولم يحل، ويفسد النكاح أيضاًَ باشتراط عدم الوطء.
ثم حيث فسد العقد، لوقوعه على الوجه المنهي عنه، فرق بينهما قبل البناء وبعدة بطلقة بائنة، ولها المسمى في أظهر الروايتين. وروى ابن عبد الحكم أن لها مهر مثلها.
فروع: في الوطء:
ويكفي إيلاج الحشفة، أو مقدارها من مقطوعها، ولا يكفي وطء الصبي، ولا وطء من لم تنتشر آلته، إذ انتشار الآلة مشترط في قول أكثر المتأخرين، وقيل: لا يشترط، بل يكفي الوطء بغير انتشار.
ويشترط كون الزوجة عالمة بالوطء عند ابن القاسم، ولا يشترط علم الزوج. واشترط أشه بعلم الزوج خاصة.
فلو وطئها الزوج في حال جنونه وهي سليمة، أحلها عند ابن القاسم، ولم يحلها عند أشهب.
ولو كانت هي المجنونة دونه، أحلها عند أشهب، ولم يحلها عند ابن القاسم.
وقال ابن الماجشون: يحلها كان الجنون به، أو بها، أو بهما جميعاً.
ثم حيث وقع الوطء المعتبر، فاتفق الزوجان عليه حلت به، فإن ادعت الوطء وأنكره لم يحلها عند مالك.
وقال ابن القاسم: يحلها.
وقال ابن وهب: إن كان الزوج ينكر عند الفراق لم يحلها، وإن قاله بعد الفراق لم يقبل، وقد حلت.
وقال القاضي أبو الوليد: كل موضع تصدق فيه على الزوج في دعوى الوطء صدقت في الإحلال، وكل موضع لا تصدق فيه إذا ناكرها، فلا تحل بدعواها.

.الجنس الثالث من الموانع: الرق:

وهو نوعان:

.النوع الأول: مانع على الإطلاق من الجانبين:

وهو الرق الثابت على أحد الزوجين للآخر، فلا يجوز للرجل أن ينكح أمته، ولو ملك مكنوحته انفسخ النكاح، وكذلك المرأة لا تنكح عبدها، وإن ملكت زوجها انفسخ النكاح.
فرع:
إذا وهب السيد لعبده زوجته أمة السيد، ففي الكتاب من رواية ابن نافع: إذا وهبها ليفسخ نكاحه، فلا يجوز ذلك له، وإن تبين أنه صنع ذلك لينتزعها منه وليحلها بذلك لنفسه أو لغير زوجها، أو ليحرمها بذلك على زوجها، فلا أرى ذلك له جائزاً، ولا أرى أن يحرمها ذلك على زوجها، ولا تنتزع منه.
وقال أصبغ: يكره للسيد ذلك، فإن فعل جاز.
وقال ابن الماجشون: إن كان مثله يملك فذلك له وينفسخ النكاح، قال محمد: ولو لم يملك مثلها فالهبة باطلة، وقال ابن عبد الحكم: إذا قصد إلى الفرقة لم يجز.
قال أبو القاسم بن محرز: هذه المسألة تدل على أن للسيد أن يكره عبده على قبول الهبة. لولا ذلك لم يكن لهبة السيد تأثير، ولا كان يعتبر قصده فيها، لأن العبد قادر على أن لا يقبلها كيف ما كانت نية سيده فيها، ولكن لما كان له أن يجبره اعتبر في الكتاب قصده، وحمل الأمر على إرادته، فإن سلمت صحت هبته وفسد النكاح، وإن لم تسلم إرادته بطلت هيبته وثبت النكاح.

.النوع الثاني: مانع على الجملة في بعض الأحوال:

وهو الرق الثابت على الزوجة لغير الزواج، فلا ينكح الحر المسلم مملوكة الغير إلا بشروط، عدمه الطول، وخوفه العنت، وكونها مسلمة.
وروي أنه يجوز للحر نكاح الإماء المسلمات مطلقاً من غير اعتبار بالشرطين الأولين، وإذا فرعنا على المشهور، فالنظر في الطول والعنت.
أما الطول: فهو المال الذي يتزوج به الحرة، ولا تراعى قدرته على النفقة.
وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: تراعى قدرته على النفقة حتى لو وجد صداق الحرة وعدم النفقة عليها تزوج الأمة. وروى أن الطول وجود الحرة نفسها في عصمته.
وإذا فرعنا على أنه المال، فلو عدم ما يتزوج به الحرة لأبيح له تزويج الأمة، وإن كانت تحته ثلاث حرائر إذا خشي العنت معهن.
قال القاضي أبو بكر: ولو قدر على طول حرة كتابية لنكح الأمة، ولو وجد حرة فغالته في المهر بمقدار يعد قبوله إسرافاً ولم يجد غيرها نكح الأمة، ولو قنعت بدون مهر المثل وهو قادر عليه لم ينكح الأمة.
وأما العنت، فهو الزنى، وإنما يتم بغلبة الشهوة وضعف التقوى. فإن قوي التقوى وأمن من نفسه، لم ينكح. فإن خاف العنت مع القدرة على الطول، كمن هوى أمة بعينها، ولم يمكنه الصبر عنها، فروى محمد وابن حبيب: أنه يجوز له أن يتزوجها.
وخرج القاضي أبو الوليد هذه الرواية على رواية عدم اعتبار الشرطين، أو على أن المراد بالطول ما يصل به إلى استباحة ما خاف على نفسه العنت بالامتناع منه من ثمن أمة على اختيار مالكها،أو مهر حرة على اختيارها إن كانت معينة. والقادر على سرية لا يخاف العنت معها، لا يترخص بنكاح الأمة.
فروع متتالية:
لو تزوج الأمة لكونه على الشرائط المعتبرة في الإباحة فلم تغنه، فله أن يضيف إليها من تغنيه إلى تمام الأربع. ولو استغنى بالأولى ففي إباحة ما زاد عليها خلاف.
وإذا نكح الأمة على الحرة، فمذهب الكتاب جواز النكاح، وأنه إن وقع لم يفسخ، والرواية الأخرى أنه ممنوع.
وسببهما الاختلاف في أن وجود الحرة تحته طول أم لا؟
واختلف في هذا المنع: هل هو التحريم أو الكراهة؟
ثم على القول بالتحريم يفسخ نكاح الأمة، وبه قال أشهب وابن عبد الحكم.
وعلى القول بالكراهة لا يفسخ، لكن تخير الحرة. وهل يتخير في فسخ نكاحها وإبقائه؟
أو يتخير في فسخ نكاح الأمة وإقراره؟ مذهبان: الأول لمالك في الكتاب. والثاني لابن الماجشون والمغيرة.
والحر الكتابي ينكح الأمة الكتابية، والعبد المسلم لا ينكحها.
ثم إذا نكح الحر المسلم الأمة لكونه على الشرطين المعتبرين، ثم قدر على الحرة ونكحها، لم ينفسخ نكاح الأمة. وإن قلنا: إن الحرة طول؛ إذ لا تراعي الشروط إلا في ابتداء النكاح دون دوامه، ولأنه أيضاً لا يؤمن عودة الأمر بعد ذلك. لكن يكون للحرة الخيار إذا علمت بعد العقد. وقيل: لا خيار لها، لأنها فرطت في البحث.
ولو جمع القادر بين حرة وأمة في عقد واحد بطل نكاح الأمة على الرواية المشهورة.
وهل يبطل نكاح الحرة؟ في تلك قولان.
ولو جمع بينهما في العقد، حيث أجزنا له الجمع بينهما في الملك، أما على الرواية الشاذة فالإباحة مطلقاً، وأما على المشهورة، إذا قلنا بأن الطول المال، وعدم طول حرتين ولم تكفه وتكفه واحدة، فإن النكاح يصح فيهما إذا سمى لكل واحدة منهما صداقها، وإن لم يسم ما لكل واحدة منهما جرى الحكم على القولين.

.الجنس الرابع: الكفر.

.والكفرة ثلاثة أصناف:

.(الصنف) الأول: الكتابيون:

ويحل نكاح نسائهم ويقرون بالجزية.

.الصنف الثاني: المعطلة والزنادقة:

ولا تحل مناكحتهم ولا يقرون بالجزية.

.الصنف الثالث: المجوس:

ولا تحل مناكحتهم، لكن يقرون بالجزية. وقيل: يحل لنكاح نسائهم.
فرع:
لو تنصر اليهودي، أو تهود نصراني، أقر. وحكى القاضي أبو بكر رواية، بأنه يقتل لخروجه عن العهد الذي انعقد له، إلا أن يسلم.
وأما لو تزندق يهودي أو نصراني، فقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا يقتل، لأنه خرج من كفر إلى كفر، وقاله مالك ومطرف وابن عبد الحكم.
وقال ابن الماجشون: يقتل لأنه دين لا يقر عليه أحد، ولا تؤخذ عليه جزية. قال ابن حبيب: ولا أعلم من قاله غيره، ولا أقول به.
قال القاضي أبو الوليد: يحتمل أن يريد بالزندقة ههنا الخروج إلى غير شريعة، مثل التعطيل ومذاهب الدهرية.
وحكى الشيخ أبو محمد عن أبي بكر بن محمد قال: روى عبد الرحمن بن إبراهيم الأندلسي في النصراني أو اليهودي يتزندق: أنه يقتل، لأنه خرج من ذمة إلى غير ذمة، ولو أسلم لقتل، كمسلم تزندق ثم تاب.
فأما المسلم يرتد، فلا يقنع منه إلا بالإسلام أو السيف. ثم ردته تقطع العصمة بينه وبين زوجته ساعة ارتداده. رواه ابن القاسم في الكتاب، ثم قال: ,كذلك ردة المرأة عندي. قال: وانقطاع ذلك تطليقة بائنة، ولا تكون عليها رجعة وإن أسلم في عدتها، لأنه قد تركها حين ارتد، ولم يكن يقدر في حال ارتداده على رجعتها.
وروى ابن أبي أويس وابن الماجشون: أن الردة فسخ.
قال سحنون: والمخزومي يقول: إذا أسلم ورجع إلى الإسلام في عدتها فهو أحق بها.
وقال ابن الماجشون: إن تاب وأدرك زوجته في عدتها كان أحق بها الطلاق كله، كالمشرك تسلم زوجته، ثم يسلم في عدتها، فإن انقضت العدة كان إسلام هذه تطليقة، وارتداد هذه تطليقة.
وسبب الخلاف: النظر إلى أن للردة أثراً فيما تقدم من عمله أم لا؟ ثم النظر في تعيينه على القول به، فالذين رأوا لها أثراً اختلفوا، فمنهم من رأى أن أثرها إحباطه، فقطع العصمة.
ثم اختلف القائلون بذلك في كيفية قطعها، فمن نظر منهم إلى تقدم صحة النكاح جعل القطع إطلاقاً. ومن اعتبر الغلبة على الفسخ جعله فسخاً بغير طلاق، ومنهم من رأى أثرها تشعيث العصمة لا قطعها، فحكم بطلقة رجعية.
وأما الذين لم يروا للردة أثراً في العمل الماضي فرأوا أن حكمها يرتفع بالتوبة، حتى يعود إلى ما كان عليه قبلها، وجعلوه باقياً على زوجته، كما هو باق على ماله على المعروف من المذهب.
فرعان:
الأول. إذا ارتد الزوج إلى دين زوجته اليهودية أو النصرانية، فقال ابن القاسم: تقع الفرقة بينهما كما لو كانت مسلمة، وقال أصبغ في كتاب ابن حبيب: لا يحال بينه وبينها، ولا تحرم عليه إن عاد إلى الإسلام.
الفرع الثاني:
روى ابن سحنون عن أبيه، في المسلم يرفع زوجته المسلمة إلى الحاكم يدعي عليها أنها ارتدت عن دينها فتنكر، أن الحاكم يفرق بينهما لإقراره بارتدادها الموجب للفرقة، قال: وكذلك لو كانت الزوجة كتابية.
ويتصل بهذا:

.باب نكاح المشركات:

لانشعاب مسائله عن الموانع السابقة:
وفيه فصول:

.(الفصل) الأول: فيما يقر عليه الكافر من الأنكحة:

وإذا أسلم الزوجان معاً اقرأ على نكاحها إذا خلا عن الموانع المتقدمة، فإن سبق الزوج بالإسلام، وتحته من لو ابتدأ العقد عليها في الإسلام لجاز، أقر عليها، أسلمت معه أو بقيت على دينها، فيقر على الكتابية الحرة دون غيرها، ويعرض على غيرها الإسلام، فإن أسلمت أو عتقت إن كانت أمة كتابية ثبتت معه، وإن بقيت على حالها وقعت الفرقة في الحال، كان قبل الدخول أو بعده.
وقال أشهب: تتعجل الفرقة، إن كان قبل الدخول، بإسلام الزوج، ولم يقل يعرض عليها الإسلام، وقاله أصبغ. وهو أحب إلى محمد، قال: وينتظر فراغ العدة إن كان بعد الدخول.
فرع:
إذا بنينا على قول ابن القاسم فغفل عنها حتى مضى لها شهر، وما قرب منه، فقال ابن القاسم في الكتاب: ليس بكثير، وتبقى على النكاح إن أسلمت في هذه المدة.
ثم حيث قلنا بالفراق، فمذهب الكتاب: إن الفرقة فسخ بغير طلاق، وقاله ابن المواز، واختاره القاضي أبو بكر.
وقال ابن القاسم في العتبية: هي طلقة بائنة.
وأما إن كانت المرأة هي السابقة إلى الإسلام، فإن كان قبل الدخول وقعت الفرقة، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة، فإن أسلم قبل انقضائها ثبت عليها من غير رجعة يحدثها وإلا بانت منه.
ثم حيث قلنا: يقر على النكاح لإسلامها أو لإسلامه على كتابية، فلا نبحث عن شرط نكاحهما، بل نقرهما على النكاح بلا ولي ولا صداق، وفي العدة، إلا إذا أسلما أو أحدهما قبل انقضاء العدة، فإن المفسد قارن الإسلام، فيندفع النكاح، كما لو أسلم على ذات محرم منه. ونقرهم على النكاح المؤقت إن أسلموا بعد الأجل، وإن أسلموا قبله فسخه، بنى أم لا. ولا نقرهم على ما هو فاسد عندهم إلا إذا كان صحيحاً عندنا.
ولو انعقدوا غصب المرأة أو مرضاتها على الإقامة مع الرجل بغير عقد نكاحاً أقررناهم عليه إذا أسلموا.
وبالجملة فأنكحتهم فاسدة على المشهور، ولكن إذا أسلموا صحح الإسلام منها ما لو ابتدأوا عقده بعد الإسلام لجاز عندنا، ويعفى عما بنوها عليه من التحريم والإخلال بالشرائط. ثم المفسد إن قارن إسلام أحدهما كفى.
وإذا طلق الكافر زوجته ثلاثاً، ثم أسلما في الحال كان له أن يبقى على نكاحها، ولو أبانها عنه بعد الطلاق مدة ثم أسلم. ثم أراد أن يعقد عليها بعد الإسلام، لم يفتقر إلى محلل.
فإن قيل: ما حكم صداقهم الفاسد بعد الإسلام؟ قلنا: إذا أصدقها خمراًَ، وقبضت قبل الإسلام ودخل بها، ثم أسلما، فلا مهر لها. وإن لم تقبض ولم يدخل، فلها صداق المثل.
وقيل: قيمة ما أصدقها من ذلك لو كان يجوز بيعه.
وكذلك إن دخل ولم تقبض المهر.
وإن قبضت ولم يدخل، فقال ابن القاسم: يجب لها صداق المثل، وقال ابن عبد الحكم: قيمة المسمى.
وقال أشهب: ربع دينار، وقال غيرهم: لا يجب لها شيء أصلاً.

.الفصل الثاني: في إسلام الكافر على عدد من النسوة لا يمكن الجمع بينهن:

فإذا أسلم على عشر نسوة، اختار أربعاً، فثبت نكاحه عليهن، كن أوائل أو أواخر، عقد عليهن في عقد واحد أو عقود متعددة، واندفع نكاح الباقيات، ولا مهر لهن إذا لم يدخل بهن، إذ هو مغلوب على الفراق.
وقال ابن حبيب: لكل واحدة نصف صداقها، لأنه يعد في الاختيار كالمنتقل فيصير كالمطلق.
وقال ابن المواز: لكل واحدة من صداقها خمسة، لأنه لو فارق الجميع ما لزمه لهن إلا صداقان.
فإن مات قبل أن يختار، فقال محمد: سمعت من يقول: يرثن منه الربع بين جميعهن، إن لم يكن له ولد مسلم. ولكل من بنى منهن صداقها، ومن لم يبن بها فلها خمساً صداقها، قال محمد: لأنه لم يكن عليه إن لم يدخل بهن إلا صداق أربع يقسم بينهن.
قال الشيخ أبو الطاهر: أيجاب أربع صدقات لجميعهن بالموت هو المشهور، وهو الجاري على مذهب ابن المواز. قال: وقيل: عليه لكلهن سبع صدقات، قال: وهو رأي ابن حبيب، تكون أربع صدقات لأربع منهن، وثلاث لست، يقتسمن الجميع أعشاراً.
وإن أسلم الكافر على امرأة وابنتها، وكان بعد الدخول فهما محرمتان. وإن لم يدخل بواحدة منهما اختار واحدة منهما في قول، وفارقهما جميعاً في ثان، وتعينت البنت في ثالث وهو قول أشهب. وإن كان بعد وطء البنت تعينت واندفع نكاح الأم. وإن كان بعد وطء الأم اندفع نكاح البنت وبقي نكاح الأم. وقيل: يندفع للعقد على البنت.
وإن أسلم على أختين، أو من أشبههما ممن لا يجوز الجمع بينهما، اختار واحدة وفارق من سواها.

.الفصل الثالث: في الاختيار:

ولا تخفى صرائح ألفاظه، ويلحق بها ما أفاد معناها. فلو طلق واحدة تعينت للنكاح، قاله ابن عبدوس، وكذلك لو ظاهر، أو آلى، أو وطئ.
ولو قال: فسخت نكاحها، انفسخ نكاحها، لأنه أوقع بالفسخ عليها أن لا يختار نكاحها.
ولو اختار أربعاً، فإذا هن أخوات، فقال ابن الماجشون: له تمام الأربع ممن فارق منهن ما لم يتزوجن.
وقال ابن عبد الحكم: له ردهن وإن دخل بهن أزواجهن.
قال أبو الحسن اللخمي: يريد إذا اختار أربعاً، فوق الفراق على البواقي باختياره الأربع، ولم يوقع على البواقي طلاقاً، ولو أوقع عليهن الطلاق لم يكن له رد فيمن طلق وإن لم يتزوجن إذا كان طلاقه قبل الدخول، أو بعد انقضاء العدة.
فرع:
لو أسلم على ثماني كتابيات، فأسلم أربع، ومات قبل التبيين، لا يوقف شيء من الميراث، لأنه ربما كانت المفارقات المسلمات، فلا يتقين حق الزوجية.
وكذلك لو كانت تحته كتابية ومسلمة، فقال: إحداكما طالق ومات، ولم يعين لم يوقف لهما ميراث على القولين جميعاً في إيقاع الطلاق من غير تعيين محله. أما على المشهور فلعدم أصل الحق، وأما على القول الآخر فللشك فيه.

.الفصل الرابع: في النفقة:

وإذا تخلفت ثم أسلمت لم تستحق نفقة لمدة التخلف، لأن الامتناع منها. ولو سبقت ثم أسلم، فروى أصبغ عن ابن القاسم: أن لها النفقة في عدتها. وكذلك روى محمد قال: وذلك عليه، حاملاً كانت أو حائلاً، لأنه ممن له الرجعة لو أسلم في عدتها، بل إسلامه في العدة رجعة.
قال محمد بن أبي زمنين: وروى عيسى عن ابن القاسم: أنه لا نفقة عليها لها، لأنها منعته فرجها، وجاء الفسخ من قبلها، قال: وهي أحسن عند هل النظر من رواية أصبغ.

.الجنس الخامس من الموانع: كون أحد الزوجين على حالة يتضمن العقد معها جناية على حق غيره:

وذلك نوعان:

.النوع الأول: ما يتضمن الجناية على حق الله سبحانه:

وهو الإحرام.
فلا يجوز للمحرم بحج أو عمرة أن يباشر عقد النكاح على نفسه ولا على غيره، ولا أن يعقده له غيره، فإن عقده أو عقد له، فقال ابن حبيب: قال مالك وأصحابه: يفسخ وإن بنى وطال زمانه، وولدت الأولاد.
وحكى الشيخ أبو القاسم في تأبيد التحريم عليه روايتين.
قال ابن حبيب: واختلف في فسخه بطلاق.
وقال محمد: قال مالك. يفسخ بغير طلاق، ثم قال: يفسخ بطلاق.
وقال أشهب: بغير طلاق، ولا ميراث فيه. ومذهب أشهب، أن كل ما يرى أنه وقت فسخه لا يقر، فهو فسخ بغير طلاق.
قال ابن حبيب: ولم يختلف بالمدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال.
قال ابن القاسم في كتاب محمد: قال مالك: ومن نكح بعد رمي الجمرة قبل الإفاضة فسخ بغير طلاق. ثم رجع فقال: بطلاق، وقاله ابن القاسم.
ولو كان أفاض ونسي الركعتين، فإن نكح بالقرب فسخ نكاحه بطلقة، وإن تباعد جاز نكاحه.
ولو نسي الإفاضة وطاف للوداع وخرج وأبعد، ثم نكح، فالنكاح جائز لأن طواف الوداع يجزيه. ومن أمر رجلاً أن يزوجه، ثم أحرم فزوجه بعد إحرامه، فسخ النكاح. قال ابن القاسم: وإذا نسيت امرأة من الطواف الواجب شوطاً ورجعت إلى بلدها وتزوجت، فإنه يفسخ ولا صداق لها، إلا أن يبني بها، فلها المسمى. وترجع على إحرامها، فإذا فرعت، فإن كان بنى بها اعتمرت وأهدت. وتعتد بثلاث حيض.

.النوع الثاني: ما يتضمن الجناية على حق آدمي:

وهو المرض.
فلا يجوز نكاح المريض المخوف عليه في الغالب، الذي لا يحتاج إلى استمتاع وقد انتهى إلى حالة يحجر عليه في ماله، ويفسخ إن وقع، وكذلك نكاح المريضة. وذكر عن مطرف أنه روى إجازة ذلك عن مالك جملة من غير تفصيل.
وإذا فرعنا على المشهور فصح قبل الفسخ، ففيه روايتان: روى ابن القاسم أنه صحيح لا يفسخ، وبذلك قال ابن الماجشون.
والرواية الأخرى أنه يفسخ، وإن صح، وهي إحدى الروايتين عن ابن القاسم وابن عبد الحكم.
وخرج القاضي أبو محمد هذا الاختلاف على الاختلاف في أن فساده لحق الورثة، أو فساده في عقده، ثم مقتضى القول بأن فساده في عقده أن لا يصح النكاح وإن كانت الزوجة ممن لا ترث كالأمة، والنصرانية، ومقتضى كونه لحق الورثة، واعتبار ذلك أن يصح نكاحها نظراً لفقد العلة، وهو قول أبي مصعب.
وقال عبد الملك وغيره: لا يصح، طرداً للقاعدة، ولجواز تغير حالهما بالعتق والإسلام قبل موته.
التفريع:
إن صححنا نكاح المريض، على ما ذكر من رواية مطرف، لزم فيه الصداق من رأس المال. وإن أبطلناه، على المشهور، فإن لم يدخل فلا صداق لها، وإن دخل فلها الصداق في الجملة. لكن اختلف هل هو المسمى، أو صداق المثل إن كان أقل من المسمى؟ والأول قول مالك في المختصر وكتاب محمد وكتاب ابن حبيب.
وقال سحنون: إذا كان المسمى أكثر من صداق المثل، لم يكن لها إلا صداق مثلها في قول ابن القاسم.
وبنى بعض المتأخرين هذا الاختلاف على الخلاف في التوريث، قال: فمن ورثها أسقط الزائد لأنها وصية للوارث، ومن لم يورثها أثبته وجعله كالوصية لأجنبي.
ثم حيث أثبتنا الصداق واختلف في تبديتها بجملته، فقيل: تبدأ به، لأنه على الجملة عن استهلاك. وقيل: لا تبدأ به، لأنه وصية محضة.
ثم يكون صداق المثل من الثلث، وحكى الشيخ أبو الحسن عن المغيرة من رأس المال.
وقال الشيخ أبو عمران: أجمع أصحابنا أن صداق المريض لا يكون في رأس المال.
وإنما ذكر الشيخ أبو الحسن شيئاً عن المغيرة، أنه قال: ذلك في رأس المال، وقد رأيت كتب المغيرة، فذكر فيها أنه من الثلث، قال: وما أدري أين رآه أبو الحسن للمغيرة.
وقال الشيخ أبو الحسن: يكون ربع دينار من رأس المال، والباقي من الثلث.
قال بعض المتأخرين: فمن رأى أن البضع غير متقوم، قال بالأول، ومن رآه متقوماً كالسلع قال بالثاني. قال: وبني الشيخ أبو الحسن على أنه غير متقوم، لكنه رأى أن الشرع قدر فيه ربع دينار لا ينقص عنه، تقديراً شرعياً، فيصير كالثمن المحقق، فيخرج من رأس المال.
واستحسن أبو محمد عبد الحق قول الشيخ أبي الحسن في أن ربع دينار من رأس المال.